" من بلغه عن الله شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانا به و رجاء ثوابه أعطاه الله ذلك و إن لم يكن كذلك " .

" من بلغه عن الله شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانا به و رجاء ثوابه أعطاه الله
ذلك و إن لم يكن كذلك " .

قال الألبانى فى سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 647 ) :
موضوع .
أخرجه الحسن بن عرفة في " جزئه " ( 100 / 1 ) و ابن الأبار في " معجمه " ( ص
281 ) و أبو محمد الخلال في " فضل رجب " ( 15 / 1 - 2 ) ، و الخطيب ( 8 / 296 )
، و محمد بن طولون ( 880 - 953 ) في " الأربعين " ( 15 / 2 ) عن فرات بن سلمان
، و عيسى بن كثير ، كلاهما عن أبي رجاء ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعا .
و من هذه الطريق ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1 / 258 ) و قال :
" لا يصح ، أبو رجاء كذاب " .
و أقره السيوطي في " اللآليء " ( 2 / 214 ) ، و أنا لم أعرف أبا رجاء هذا ، ثم
وجدت الحافظ السخاوي صرح في " المقاصد " ( ص 191 ) بأنه لا يعرف . و كذا قال فى
" القول البديع " ( ص 197 ) .
و أما قول المؤرخ ابن طولون :
" هذا حديث جيد الإسناد ، و أبو رجاء هو فيما أعلم محرز بن عبد الله الجزري
مولى هشام ، و هو ثقة ، و للحديث طرق و شواهد ذكرتها في كتابي " التوشيح لبيان
صلاة التسبيح " . فهو بعيد جدا عن قواعد هذا العلم .
فإن محرزا هذا إن سلم أنه أبو رجاء ، فهو يدلس ، كما قال الحافظ في " التقريب "
و قد عنعن ، فأنى لإسناده الجودة ؟ على أنني أستبعد أن يكون أبو رجاء هو محرز
هذا ، لأسباب : منها أنهم ذكروا في ترجمته أن من شيوخه ، فرات بن سلمان ، و
الواقع في هذا الإسناد خلافه ، أعنى أن فرات بن سلمان هو راوى الحديث عنه ، إلا
أن يقال : إنه من رواية الأكابر عن الأصاغر ، و فيه بعد .
و الله أعلم .
و يؤيد أنه ليس به ، أنني رأيت على هامش " جزء ابن عرفة " : " العطاردي " إشارة
إلى أن هذا نسبه ، و لكن لم يوضع بجانبها حرف " صح " إشارة إلى أن هذه النسبة
هي من أصل الكتاب سقطت من قلم الناسخ ، فاستدركها على الهامش كما هي عادتهم ،
فإذا لم يشر إلى أنها من الأصل ، فيحتمل أن تكون وضعت عليه تبيينا و توضيحا ،
لا على أنها من الأصل ، و لعلنا نعثر على نسخة أخرى لهذا الجزء فنتبين حقيقة
هذه الكلمة . و الله أعلم .
ثم رأيت الحديث قد أخرجه الحافظ القاسم ابن الحافظ ابن عساكر فى " الأربعين "
للسلفي ( 11 / 1 ) من الطريقين عن أبى رجاء به و قال :
" و هذا الحديث أيضا فيه نظر ، و قد سمعت أبي رحمه الله يضعفه " .
ثم أورده ابن الجوزي من رواية الدارقطني بسنده عن ابن عمر ، و فيه إسماعيل بن
يحيى ، قال ابن الجوزي : " كذاب " ، و من رواية ابن حبان من طريق يزيع أبي
الخليل عن محمد بن واسع ، و ثابت بن أبان ( كذا الأصل ، و لعله ابن أسلم ، فإني
لا أعرف فى الرواة ثابت بن أبان ) عن أنس مرفوعا . و قال ابن الجوزى :
" بزيع متروك " .
قلت : قال الذهبي فى ترجمته :
" متهم ، قال ابن حبان : يأتي عن الثقات بأشياء موضوعة كأنه المتعمد لها " .
و قال في " الضعفاء " :
" متروك " .
و فى " اللسان " للحافظ ابن حجر :
" و قال الدارقطني : كل شيء يرويه باطل . و قال الحاكم : يروى عن الثقات أحاديث
موضوعة " .
قلت : و من طريقه أخرجه أبو يعلى ، و الطبراني في " الأوسط " بنحوه ، كما فى "
المجمع " ( 1 / 149 ) ، و سنذكره بعد هذا .
ثم إن السيوطي تعقب ابن الجوزي ، فساق لحديث أنس طريقا آخر فيه متهم أيضا ، كما
يأتي بيانه في الحديث الذي بعده ، و ذكر كذلك طريقا أخرى لحديث ابن عمر من
رواية الوليد بن مروان عنه ، و سكت عنه ، و الوليد هذا مجهول ، كما قال ابن أبى
حاتم ( 4 / 2 / 18 ) عن أبيه ، و كذا قال الذهبي ، و العسقلاني . ثم إن فيه
انقطاعا ، فإن الوليد هذا روى عن غيلان بن جرير ، و غيلان لم يرو عن غير أنس من
الصحابة ، فهو من صغار التابعين ، فالوليد على هذا من أتباعهم لم يدرك الصحابة
، فثبت انقطاع الحديث .
و من عجائب السيوطي أنه ساق بعد هذا قصة عن حمزة بن عبد المجيد .
خلاصتها : أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن هذا الحديث ،
فقال : " إنه لمني و أنا قلته " .
و من المقرر عند العلماء أن الرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي ، فبالأولى أن لا يثبت
بها حديث نبوي ، و الحديث هو أصل الأحكام بعد القرآن .
و بالجملة ، فجميع طرق هذا الحديث لا تقوم بها حجة ، و بعضها أشد ضعفا من بعض ،
و أمثلها - كما قال الحافظ ابن ناصر الدين في " الترجيح " - طريق أبي رجاء ،
و قد عرفت وهاءها ، و لقد أصاب ابن الجوزي في إيراده إياه في " الأحاديث
الموضوعة " ، و تابعه على ذلك الحافظ ابن حجر ، فقال ، كما سبق في الحديث الذي
قبله : " لا أصل له " .
و كفى به حجة فى هذا الباب ، و وافقه الشوكاني أيضا كما سيأتي في الحديث الذي
بعده .
و من آثار هذا الحديث السيئة أنه يوحي بالعمل بأي حديث طمعا في ثوابه ، سواء
كان الحديث عند أهل العلم صحيحا ، أو ضعيفا ، أو موضوعا ، و كان من نتيجة ذلك
أن تساهل جمهور المسلمين ، علماء ، و خطباء ، و مدرسين ، و غيرهم ، فى رواية
الأحاديث ، و العمل بها ، و في هذا مخالفة صريحة للأحاديث الصحيحة في التحذير
من التحديث عنه صلى الله عليه وسلم إلا بعد التثبت من صحته عنه صلى الله عليه
وسلم كما بيناه في المقدمة .
ثم إن هذا الحديث و ما في معناه كأنه عمدة من يقول بجواز العمل بالحديث الضعيف
في فضائل الأعمال ، و مع أننا نرى خلاف ذلك ، و أنه لا يجوز العمل بالحديث إلا
بعد ثبوته ، كما هو مذهب المحققين من العلماء ، كابن حزم ، و ابن العربي
المالكي ، و غيرهم - فان القائلين بالجواز قيدوه بشروط :
منها أن يعتقد العامل به كون الحديث ضعيفا .
و منها : أن لا يشهر ذلك ، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف ، فيشرع ما ليس بشرع ،
أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة . كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في "
تبيين العجب بما ورد فى فضل رجب " ( ص 3 - 4 ) قال :
" و قد صرح بمعنى ذلك الأستاذ ابن عبد السلام و غيره ، و ليحذر المر من دخوله
تحت قوله صلى الله عليه وسلم : " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد
الكذابين " ، فكيف بمن عمل به ، و لا فرق في العمل بالحديث في الأحكام ، أو في
الفضائل ، إذ الكل شرع .
قلت : و لا يخفى أن العمل بهذه الشروط ينافي هذا الحديث الموضوع ، فالقائلون
بها ، كأنهم يقولون بوضعه . و هذا هو المطلوب - فتأمل .
ثم رأيت رسالة ابن ناصر الدين في صلاة التسابيح التي نقلت عنها تجويده لإسناد
هذا الحديث قد طبعت بتعليق المدعو محمود بن سعيد المصري ، و قد شغب فيها علينا
ما شاء له الشغب - كما هي عادته - و تأول كلام العلماء بما يتفق مع جدله
بالباطل ، و مكابرته الظاهرة لكل قاريء ، و لا مجال الآن للرد عليه مفصلا
، فحسبي أن أسوق مثالا واحدا على ما نقول :
لقد تظاهر بالانتصار للتجويد المشار إليه ، فرد إعلالي للحديث بتدليس محرز ، إن
سلم بأنه هو أبو رجاء ، فزعم ( ص 32 و 33 ) بأن محرزا إنما يدلس عن مكحولا فقط
، و بذلك تأول ما نقله عن ابن حبان أنه قال :
كان يدلس عن مكحول ، يعتبر بحديثه ما بين السماع فيه عن مكحول و غيره .
فتعامى عن قوله : و غيره ، الصريح في أنه إذا لم يصرح بالسماع عن مكحول و عن
غيره ، فلا يعتبر بحديثه ، كما تعامى عن قول الحافظ المتقدم : " كان يدلس "
، فإنه مطلق يشمل تدليسه عن مكحول و غيره .
و إنما قلت : تظاهر .... لأنه بعد تلك الجعجعة رجع إلى القول بضعف الحديث فقد
تشكك ( ص 36 ) أولا في كون أبي رجاء هو محرز بن عبد الله المدلس
و ثانيا خالف ابن ناصر الدين بقوله :
و لكن الحديث فيه نكارة شديدة توجب ضعفه ، فإنه يؤدي للعمل بكل ما يسمع ،
و لو كان موضوعا أو واهيا ، ما دام في الفضائل .
قلت : فقد رجع من نقده إياي بخفي حنين بعد أن سرق ما جاء في استدراكه الأخير من
قولي المتقدم قريبا :
" و من آثار هذا الحديث السيئة أنه يوحي بالعمل بأي حديث طمعا في ثوابه ...
" إلخ .
أفلا يدل هذا على بالغ حقده و حسده و مكابرته ؟ بلى ، هناك ما هو أعظم في
الدلالة ، فانظر مقدمتي لكتابي " آداب الزفاف " طبع المكتبة الإسلامية في عمان
، تر العجب العجاب .
و الخلاصة : أن العلماء اتفقوا على رد هذا الحديث ما بين قائل بوضعه أو ضعفه ،
و هم : ابن الجوزي ، و ابن عساكر ، و ولداه ، و ابن حجر ، و السخاوي ،
و السيوطي ، و الشوكاني ، ( و هم القوم لا يشقى جليسهم ) .
و أما الطريق الأخرى التي سبقت الإشارة إليها من حديث أنس ، فهي :
(2/28)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
مجلة فارس الإسلام للأحاديث الضعيفة والمكذوبة © 2012 | الى الأعلى