" اطلبوا العلم و لو بالصين " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 600 ) :
باطل .
رواه ابن عدي ( 207 / 2 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 106 ) و ابن
عليك النيسابوري في " الفوائد " ( 241 / 2 ) و أبو القاسم القشيري في
" الأربعين " ( 151 / 2 ) و الخطيب في " التاريخ " ( 9 / 364 ) و في " كتاب
الرحلة " ( 1 / 2 ) و البيهقي في " المدخل " ( 241 / 324 ) و ابن عبد البر في "
جامع بيان العلم " ( 1 / 7 - 8 )
و الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " ( 28 / 1 ) كلهم من طريق الحسن بن
عطية حدثنا أبو عاتكة طريف بن سلمان عن أنس مرفوعا ، و زادوا جميعا :
" فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم " و قال ابن عدي : و قوله : و لو بالصين ،
ما أعلم يرويه غير الحسن بن عطية .
و كذا قال الخطيب في " تاريخه " و من قبله الحاكم كما نقله عنه ابن المحب و من
خطه على هامش " الفوائد " نقلت ، و في ذلك نظر فقد أخرجه العقيلي في " الضعفاء
" ( 196 ) عن حماد بن خالد الخياط قال : حدثنا طريف بن سليمان به ، و قال :
و لا يحفظ " و لو بالصين " إلا عن أبي عاتكة ، و هو متروك الحديث و " فريضة على
كل مسلم " الرواية فيها لين أيضا متقاربة في الضعف .
فآفة الحديث أبو عاتكة هذا و هو متفق على تضعيفه ، بل ضعفه جدا العقيلي كما
رأيت و البخاري بقوله : منكر الحديث ، و النسائي : ليس بثقة ، و قال أبو حاتم :
ذاهب الحديث ، كما رواه ابنه عنه ( 2 / 1 / 494 ) و ذكره السليماني فيمن عرف
بوضع الحديث ، و ذكر ابن قدامة في " المنتخب " ( 10 / 199 / 1 ) عن الدوري أنه
قال : و سألت يحيى بن معين عن أبي عاتكة هذا فلم يعرفه ، و عن المروزي أن
أبا عبد الله يعني الإمام أحمد ذكر له هذا الحديث ؟ فأنكره إنكارا شديدا .
قلت : و قد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1 / 215 ) و قال : قال ابن
حبان : باطل لا أصل له ، و أقره السخاوي في " المقاصد " ( ص 63 ) ، أما السيوطي
فتعقبه في " اللآليء " ( 1 / 193 ) بما حاصله : أن له طريقين آخرين :
أحدهما من رواية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم العسقلاني بسنده عن الزهري عن أنس
مرفوعا به ، رواه ابن عبد البر ، و يعقوب هذا قال الذهبي : كذاب ، ثم ذكر أنه
روى بإسناد صحيح ، من حفظ على أمتي أربعين حديثا و هذا باطل .
و الآخر : من طريق أحمد بن عبد الله الجويباري بسنده عن أبي هريرة مرفوعا ،
الشطر الأول منه فقط ، قال السيوطي : و الجويباري وضاع .
قلت : فتبين أن تعقبه لابن الجوزي ليس بشيء !
و قال في " التعقبات على الموضوعات " ( ص 4 ) :
" أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " من طريق أبي عاتكة و قال : متن مشهور
و إسناد ضعيف ، و أبو عاتكة من رجال الترمذي و لم يجرح بكذب و لا تهمة ، و قد
وجدت له متابعا عن أنس ، أخرجه أبو يعلى و ابن عبد البر في " العلم " من طريق
كثير بن شنظير عن ابن سيرين عن أنس ، و أخرجه ابن عبد البر أيضا من طريق عبيد
ابن محمد الفريابي عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس .
و نصفه الثاني ، أخرجه ابن ماجه ، و له طريق كثيرة عن أنس يصل مجموعها إلى
مرتبة الحسن ، قاله الحافظ المزي ، و أورده البيهقي في " الشعب " من أربع طرق
عن أنس ، و من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما .
و لنا عليه تعقبات :
أولا : لينظر فيما نقله عن البيهقي هل يعني النصف الأول من الحديث أعني
" اطلبوا العلم و لو بالصين " أم النصف الثاني فإن هذا هو المشهور و فيه أورد
السخاوي قول البيهقي المذكور لا في النصف الأول و عليه يدل كلامه في " المدخل "
( 242 ـ 243 ) ثم تأكدت من ذلك بعد طبع " الشعب " ( 2 / 254 ـ 255 ) .
ثانيا : قوله : إن أبا عاتكة لم يجرح بكذب يخالف ما سبق عن السليماني ، بل
و عن النسائي إذ قال " ليس بثقة " لأنه يتضمن تجريحه بذلك كما لا يخفى .
ثالثا : رجعت إلى رواية كثير بن شنظير هذه في " جامع ابن عبد البر " ( ص 9 )
فلم أجد فيها النصف الأول من الحديث ، و إنما هي بالنصف الثاني فقط مثل رواية
ابن ماجه ، و أظن أن رواية أبي يعلى مثلها ليس فيها النصف الأول ، إذ لو كان
كما ذكر السيوطي لأوردها الهيثمي في " المجمع " و لم يفعل .
رابعا : رواية الزهري عن أنس عند ابن عبد البر فيها عبيد بن محمد الفريابي و لم
أعرفه ، و قد أشار إلى جهالته السيوطي بنقله السند مبتدءا به ، و لكنه أوهم
بذلك أن الطريق إليه سالم ، و ليس كذلك بل فيه ذاك الكذاب كما سبق !
ثم وجدت ترجمة الفريابي هذا عند ابن أبي حاتم ( 2 / 2 / 335 ) بسماع أبيه منه .
و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 8 / 406 ) و قال : مستقيم الحديث فالآفة من
يعقوب .
خامسا : قوله : و له طرق كثيرة ... يعني بذلك النصف الثاني من الحديث كما هو
ظاهر من كلامه ، و قد فهم منه المناوي أنه عنى الحديث كله ! فقد قال في شرحه
إياه بعد أن نقل إبطال ابن حبان إياه و حكم ابن الجوزي بوضعه :
و نوزع بقول المزي : له طرق ربما يصل بمجموعها إلى الحسن : و يقول الذهبي في "
تلخيص الواهيات " : روى من عدة طرق واهية و بعضها صالح .
و هذا وهم من المناوي رحمه الله فإنما عنى المزي رحمه الله النصف الثاني كما
هو ظاهر كلام السيوطي المتقدم ، و هو الذي عناه الذهبي فيما نقله المناوي عن
" التلخيص " ، لا شك في ذلك و لا ريب .
و خلاصة القول : إن هذا الحديث بشطره الأول ، الحق فيه ما قاله ابن حبان و ابن
الجوزي ، إذ ليس له طريق يصلح للاعتضاد به .
و أما الشطر الثاني فيحتمل أن يرتقي إلى درجة الحسن كما قال المزي ، فإن له
طرقا كثيرة جدا عن أنس ، و قد جمعت أنا منها حتى الآن ثمانية طرق ، و روى عن
جماعة من الصحابة غير أنس منهم ابن عمر و أبو سعيد و ابن عباس و ابن مسعود
و علي ، و أنا في صدد جمع بقية طرقه لدراستها و النظر فيها حتى أتمكن من الحكم
عليه بما يستحق من صحة أو حسن أو ضعف .
ثم درستها و أوصلتها إلى نحو العشرين في " تخريج مشكلة الفقر " ( 48 ـ 62 )
و جزمت بحسنه .
و اعلم أن هذا الحديث مما سود به أحد مشايخ الشمال في سوريا كتابه الذي أسماه
بغير حق " تعاليم الإسلام " فإنه كتاب محشو بالمسائل الغريبة و الآراء الباطلة
التي لا تصدر من عالم ، و ليس هذا فقط ، بل فيه كثير جدا من الأحاديث الواهية
و الموضوعة ، و حسبك دليلا على ذلك أنه جزم بنسبة هذا الحديث الباطل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم و هو ثانى حديث من الأحاديث التي أوردها في " فضل العلم "
من أول كتابه ( ص 3 ) و غالبها ضعيفة ، و فيها غير هذا من الموضوعات كحديث "
خيار أمتي علماؤها ، و خيار علمائها فقهاؤها " و هذا مع كونه حديثا باطلا كما
سبق تحقيقه برقم ( 367 ) فقد أخطأ المؤلف أو من نقله عنه في روايته ، فإن لفظه
: " رحماؤها " بدل " فقهاؤها " !
و من الأحاديث الموضوعة فيه ما أورده في ( ص 236 ) " صلاة بعمامة أفضل من خمس
و عشرين ... و " إن الله و ملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة " و قد
تقدم الكلام عليهما برقم ( 127 و 159 ) .
و منها حديث " المتعبد بغير فقه كالحمار في الطاحون " ( ص 4 منه ) و سيأتي بيان
وضعه برقم ( 782 ) إن شاء الله تعالى .
و من غرائب هذا المؤلف أنه لا يعزو الأحاديث التي يذكرها إلى مصادرها من كتب
الحديث المعروفة ، و هذا مما لا يجوز في العلم ، لأن أقل الرواية عزو الحديث
إلى مصدره ، و لقد استنكرت ذلك منه في أول الأمر ، فلما رأيته يعزي أحيانا
و يفترى في ذلك ، هان علي ما كنت استنكرته من قبل ! فانظر إليه مثلا في الصفحة
( 247 ) حيث يقول :
روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كتب هذا الدعاء و جعله
بين صدر الميت و كفنه لم ينله عذاب القبر ( ! ) و لم ير منكرا و لا نكيرا ( ! )
و هو هذا ... " ، ثم ذكر الدعاء .
فهذا الحديث لم يروه الترمذي و لا غيره من أصحاب الكتب الستة و لا الستين !
إذ لا يعقل أن يروي مثل هذا الحديث الموضوع الظاهر البطلان إلا من لم يشم رائحة
الحديث و لو مرة واحدة في عمره !
و في الصفحة التي قبل التي أشرنا إليها قوله :
في " صحيح مسلم " قال صلى الله عليه وسلم : " من غسل ميتا و كتم عليه غفر الله
له أربعين سيئة " .
فهذا ليس في " صحيح مسلم " و لا في شيء من الكتب ، و إنما رواه الحاكم فقط
و البيهقي بلفظ : " أربعين مرة " .
فهذا قل من جل مما في هذا الكتاب من الأحاديث الموضوعة و التخريجات التي لا أصل
لها ، و يعلم الله أنني عثرت عليها دون تقصد ، و لو أنني قرأت الكتاب من أوله
إلى آخره قاصدا بيان ما فيه من المنكرات لجاء كتابا أكبر من كتابه ! و إلى الله
المشتكى !
و أما ما فيه من المسائل الفقهية المستنكرة فكثيرة أيضا ، و ليس هذا مجال القول
في ذلك ، و إنما أكتفي بمثالين فقط ، قال ( ص 36 ) في صدد بيان آداب الاغتسال :
و أن يصلى ركعتين بعد خروجه سنة الخروج من الحمام !
و هذه السنة لا أصل لها البتة في شيء من كتب السنة حتى التي تروى الموضوعات !
و لا أعلم أحدا من الأئمة المجتهدين قال بها !
و قال ( ص 252 - 253 ) :
لا بأس بالتهليل و التكبير و الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعني جهرا
قدام الجنازة ، لأنه صار شعارا للميت ، و في تركه ازدراء به ، و تعرض للتكلم
فيه و في ورثته ، و لو قيل بوجوبه لم يبعد !
و هذا مع كونه من البدع المحدثة التي لا أصل لها في السنة فلم يقل بها أحد من
الأئمة أيضا ، و إنى لأعجب أشد العجب من هؤلاء المتأخرين الذين يحرمون على طالب
العلم أن يتبع الحديث الصحيح بحجة أن المذهب على خلافه ، ثم يجتهدون هم فيها لا
مجال للاجتهاد فيه لأنه خلاف السنة و خلاف ما قال الأئمة أيضا الذين يزعمون
تقليدهم ، وايم الله إني لأكاد أميل إلى الأخذ بقول من يقول من المتأخرين بسد
باب الاجتهاد حين أرى مثل هذه الاجتهادات التي لا يدل عليها دليل شرعى و لا
تقليد لإمام ! فإن هؤلاء المقلدين إن اجتهدوا كان خطؤهم أكثر من إصابتهم ،
و إفسادهم أكثر من إصلاحهم ، و الله المستعان .
و إليك مثالا ثالثا هو أخطر من المثالين السابقين لتضمنه الاحتيال على استحلال
ما حرمه الله و رسوله ، بل هو من الكبائر بإجماع الأمة ألا و هو الربا ! قال
ذلك المسكين ( ص 321 ) :
" إذا نذر المقترض مالا معينا لمقرضه ما دام دينه أو شيء منه صح نذره ، بأن
يقول : لله علي ما دام المبلغ المذكور أو شيء منه في ذمتي أن أعطيك كل شهر أو
كل سنة كذا .
و معنى ذلك أنه يحلل للمقترض أن يأخذ فائدة مسماه كل شهر أو كل سنة من المستقرض
إلى أن يوفي إليه دينه ، و لكنه ليس باسم ربا ، بل باسم نذر يجب الوفاء به
و هو قربة عنده ! ! فهل رأيت أيها القاريء تلاعبا بأحكام الشريعة و احتيالا على
حرمات الله مثلما فعل هذا الرجل المتعالم ؟ أما أنا فما أعلم يفعل مثله أحد إلا
أن يكون اليهود الذين عرفوا بذلك منذ القديم ، و ما قصة احتيالهم على صيد السمك
يوم السبت ببعيدة عن ذهن القاريء ، و كذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " قاتل
الله اليهود ، إن الله لما حرم عليهم الشحم جملوه ، أي ذوبوه ، ثم باعوه
و أكلوا ثمنه " ! رواه الشيخان في " صحيحيهما " و هو مخرج في " الإرواء " (
1290) بل إن ما فعله اليهود دون ما أتى به هذا المتمشيخ ، فإن أولئك و إن
استحلوا ما حرم الله ، فإن هذا شاركهم في ذلك و زاد عليهم أنه يتقرب إلى الله
باستحلال ما حرم الله !! بطريق النذر !
و لا أدري هل بلغ مسامع هذا الرجل أم لا قوله صلى الله عليه وسلم : " لا
ترتكبوا ما ارتكب اليهود ، فترتكبوا محارم الله بأدنى الحيل " رواه ابن بطة في
" جزء الخلع و إبطال الحيل " و إسناده جيد كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره
( 2 / 257 ) و غيره في غيره ، و الذي أعتقده في أمثاله أنه سواء عليه أبلغه هذا
الحديث أو لا ، لأنه ما دام قد سد على نفسه باب الاهتداء بالقرآن و السنة
و التفقه بهما استغناء منه عنهما بحثالات آراء المتأخرين كمثل هذا الرأي الذي
استحل به ما حرم الله ، و الذي أظن أنه ليس من مبتكراته ! فلا فائدة ترجي له من
هذا الحديث و أمثاله مما صح عنه صلى الله عليه وسلم و هذا يقال فيما لو فرض فيه
الإخلاص و عدم اتباع الهوى نسأل الله السلامة .
و مع أن هذا هو مبلغ علم المؤلف المذكور فإنه مع ذلك مغرور بنفسه معجب بعلمه ،
فاسمع إليه يصف رسالة له في هذا الكتاب ( ص 58 ) :
" فإنها جمعت فأوعت كل شيء ( ! ) لا مثيل لها في هذا الزمان ، و لم يسمع الزمان
بها حتى الآن ، فجاءت آية في تنظيمها و تنسيقها و كثرة مسائلها و استنباطها ،
ففيها من المسائل ما لا يوجد في المجلدات ، فظهرت لعالم الوجود عروسا حسناء ،
بعد جهود جبارة و أتعاب سنين كثيرة ، و مراجعات مجلدات كثيرة و كتب عديدة ، فهي
الوحيدة في بابها و الزبدة في لبابها ، تسر الناظرين و تشرح صدر العالمين !
و لا يستحق هذا الكلام الركيك في بنائه العريض في مرامه أن يعلق عليه بشيء ،
و لكني تساءلت في نفسي فقلت : إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في
الذين يمدحون غيرهم " احثوا في وجوه المداحين التراب " فماذا يقول فيمن يمدح
نفسه و بما ليس فيه ؟ فاللهم عرفنا بنفوسنا و خلقنا بأخلاق نبيك المصطفى
صلى الله عليه وسلم .
هذه كلمة وجيزة أحببت أن أقولها حول هذا الكتاب " تعاليم الإسلام " بمناسبة هذا
الحديث الباطل نصحا مني لآخواني المسلمين حتى يكونوا على بصيرة منه إذا ما وقع
تحت أيديهم ، و الله يقول الحق و يهدى السبيل .
(1/493)
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 600 ) :
باطل .
رواه ابن عدي ( 207 / 2 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 106 ) و ابن
عليك النيسابوري في " الفوائد " ( 241 / 2 ) و أبو القاسم القشيري في
" الأربعين " ( 151 / 2 ) و الخطيب في " التاريخ " ( 9 / 364 ) و في " كتاب
الرحلة " ( 1 / 2 ) و البيهقي في " المدخل " ( 241 / 324 ) و ابن عبد البر في "
جامع بيان العلم " ( 1 / 7 - 8 )
و الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " ( 28 / 1 ) كلهم من طريق الحسن بن
عطية حدثنا أبو عاتكة طريف بن سلمان عن أنس مرفوعا ، و زادوا جميعا :
" فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم " و قال ابن عدي : و قوله : و لو بالصين ،
ما أعلم يرويه غير الحسن بن عطية .
و كذا قال الخطيب في " تاريخه " و من قبله الحاكم كما نقله عنه ابن المحب و من
خطه على هامش " الفوائد " نقلت ، و في ذلك نظر فقد أخرجه العقيلي في " الضعفاء
" ( 196 ) عن حماد بن خالد الخياط قال : حدثنا طريف بن سليمان به ، و قال :
و لا يحفظ " و لو بالصين " إلا عن أبي عاتكة ، و هو متروك الحديث و " فريضة على
كل مسلم " الرواية فيها لين أيضا متقاربة في الضعف .
فآفة الحديث أبو عاتكة هذا و هو متفق على تضعيفه ، بل ضعفه جدا العقيلي كما
رأيت و البخاري بقوله : منكر الحديث ، و النسائي : ليس بثقة ، و قال أبو حاتم :
ذاهب الحديث ، كما رواه ابنه عنه ( 2 / 1 / 494 ) و ذكره السليماني فيمن عرف
بوضع الحديث ، و ذكر ابن قدامة في " المنتخب " ( 10 / 199 / 1 ) عن الدوري أنه
قال : و سألت يحيى بن معين عن أبي عاتكة هذا فلم يعرفه ، و عن المروزي أن
أبا عبد الله يعني الإمام أحمد ذكر له هذا الحديث ؟ فأنكره إنكارا شديدا .
قلت : و قد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1 / 215 ) و قال : قال ابن
حبان : باطل لا أصل له ، و أقره السخاوي في " المقاصد " ( ص 63 ) ، أما السيوطي
فتعقبه في " اللآليء " ( 1 / 193 ) بما حاصله : أن له طريقين آخرين :
أحدهما من رواية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم العسقلاني بسنده عن الزهري عن أنس
مرفوعا به ، رواه ابن عبد البر ، و يعقوب هذا قال الذهبي : كذاب ، ثم ذكر أنه
روى بإسناد صحيح ، من حفظ على أمتي أربعين حديثا و هذا باطل .
و الآخر : من طريق أحمد بن عبد الله الجويباري بسنده عن أبي هريرة مرفوعا ،
الشطر الأول منه فقط ، قال السيوطي : و الجويباري وضاع .
قلت : فتبين أن تعقبه لابن الجوزي ليس بشيء !
و قال في " التعقبات على الموضوعات " ( ص 4 ) :
" أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " من طريق أبي عاتكة و قال : متن مشهور
و إسناد ضعيف ، و أبو عاتكة من رجال الترمذي و لم يجرح بكذب و لا تهمة ، و قد
وجدت له متابعا عن أنس ، أخرجه أبو يعلى و ابن عبد البر في " العلم " من طريق
كثير بن شنظير عن ابن سيرين عن أنس ، و أخرجه ابن عبد البر أيضا من طريق عبيد
ابن محمد الفريابي عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس .
و نصفه الثاني ، أخرجه ابن ماجه ، و له طريق كثيرة عن أنس يصل مجموعها إلى
مرتبة الحسن ، قاله الحافظ المزي ، و أورده البيهقي في " الشعب " من أربع طرق
عن أنس ، و من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما .
و لنا عليه تعقبات :
أولا : لينظر فيما نقله عن البيهقي هل يعني النصف الأول من الحديث أعني
" اطلبوا العلم و لو بالصين " أم النصف الثاني فإن هذا هو المشهور و فيه أورد
السخاوي قول البيهقي المذكور لا في النصف الأول و عليه يدل كلامه في " المدخل "
( 242 ـ 243 ) ثم تأكدت من ذلك بعد طبع " الشعب " ( 2 / 254 ـ 255 ) .
ثانيا : قوله : إن أبا عاتكة لم يجرح بكذب يخالف ما سبق عن السليماني ، بل
و عن النسائي إذ قال " ليس بثقة " لأنه يتضمن تجريحه بذلك كما لا يخفى .
ثالثا : رجعت إلى رواية كثير بن شنظير هذه في " جامع ابن عبد البر " ( ص 9 )
فلم أجد فيها النصف الأول من الحديث ، و إنما هي بالنصف الثاني فقط مثل رواية
ابن ماجه ، و أظن أن رواية أبي يعلى مثلها ليس فيها النصف الأول ، إذ لو كان
كما ذكر السيوطي لأوردها الهيثمي في " المجمع " و لم يفعل .
رابعا : رواية الزهري عن أنس عند ابن عبد البر فيها عبيد بن محمد الفريابي و لم
أعرفه ، و قد أشار إلى جهالته السيوطي بنقله السند مبتدءا به ، و لكنه أوهم
بذلك أن الطريق إليه سالم ، و ليس كذلك بل فيه ذاك الكذاب كما سبق !
ثم وجدت ترجمة الفريابي هذا عند ابن أبي حاتم ( 2 / 2 / 335 ) بسماع أبيه منه .
و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 8 / 406 ) و قال : مستقيم الحديث فالآفة من
يعقوب .
خامسا : قوله : و له طرق كثيرة ... يعني بذلك النصف الثاني من الحديث كما هو
ظاهر من كلامه ، و قد فهم منه المناوي أنه عنى الحديث كله ! فقد قال في شرحه
إياه بعد أن نقل إبطال ابن حبان إياه و حكم ابن الجوزي بوضعه :
و نوزع بقول المزي : له طرق ربما يصل بمجموعها إلى الحسن : و يقول الذهبي في "
تلخيص الواهيات " : روى من عدة طرق واهية و بعضها صالح .
و هذا وهم من المناوي رحمه الله فإنما عنى المزي رحمه الله النصف الثاني كما
هو ظاهر كلام السيوطي المتقدم ، و هو الذي عناه الذهبي فيما نقله المناوي عن
" التلخيص " ، لا شك في ذلك و لا ريب .
و خلاصة القول : إن هذا الحديث بشطره الأول ، الحق فيه ما قاله ابن حبان و ابن
الجوزي ، إذ ليس له طريق يصلح للاعتضاد به .
و أما الشطر الثاني فيحتمل أن يرتقي إلى درجة الحسن كما قال المزي ، فإن له
طرقا كثيرة جدا عن أنس ، و قد جمعت أنا منها حتى الآن ثمانية طرق ، و روى عن
جماعة من الصحابة غير أنس منهم ابن عمر و أبو سعيد و ابن عباس و ابن مسعود
و علي ، و أنا في صدد جمع بقية طرقه لدراستها و النظر فيها حتى أتمكن من الحكم
عليه بما يستحق من صحة أو حسن أو ضعف .
ثم درستها و أوصلتها إلى نحو العشرين في " تخريج مشكلة الفقر " ( 48 ـ 62 )
و جزمت بحسنه .
و اعلم أن هذا الحديث مما سود به أحد مشايخ الشمال في سوريا كتابه الذي أسماه
بغير حق " تعاليم الإسلام " فإنه كتاب محشو بالمسائل الغريبة و الآراء الباطلة
التي لا تصدر من عالم ، و ليس هذا فقط ، بل فيه كثير جدا من الأحاديث الواهية
و الموضوعة ، و حسبك دليلا على ذلك أنه جزم بنسبة هذا الحديث الباطل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم و هو ثانى حديث من الأحاديث التي أوردها في " فضل العلم "
من أول كتابه ( ص 3 ) و غالبها ضعيفة ، و فيها غير هذا من الموضوعات كحديث "
خيار أمتي علماؤها ، و خيار علمائها فقهاؤها " و هذا مع كونه حديثا باطلا كما
سبق تحقيقه برقم ( 367 ) فقد أخطأ المؤلف أو من نقله عنه في روايته ، فإن لفظه
: " رحماؤها " بدل " فقهاؤها " !
و من الأحاديث الموضوعة فيه ما أورده في ( ص 236 ) " صلاة بعمامة أفضل من خمس
و عشرين ... و " إن الله و ملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة " و قد
تقدم الكلام عليهما برقم ( 127 و 159 ) .
و منها حديث " المتعبد بغير فقه كالحمار في الطاحون " ( ص 4 منه ) و سيأتي بيان
وضعه برقم ( 782 ) إن شاء الله تعالى .
و من غرائب هذا المؤلف أنه لا يعزو الأحاديث التي يذكرها إلى مصادرها من كتب
الحديث المعروفة ، و هذا مما لا يجوز في العلم ، لأن أقل الرواية عزو الحديث
إلى مصدره ، و لقد استنكرت ذلك منه في أول الأمر ، فلما رأيته يعزي أحيانا
و يفترى في ذلك ، هان علي ما كنت استنكرته من قبل ! فانظر إليه مثلا في الصفحة
( 247 ) حيث يقول :
روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كتب هذا الدعاء و جعله
بين صدر الميت و كفنه لم ينله عذاب القبر ( ! ) و لم ير منكرا و لا نكيرا ( ! )
و هو هذا ... " ، ثم ذكر الدعاء .
فهذا الحديث لم يروه الترمذي و لا غيره من أصحاب الكتب الستة و لا الستين !
إذ لا يعقل أن يروي مثل هذا الحديث الموضوع الظاهر البطلان إلا من لم يشم رائحة
الحديث و لو مرة واحدة في عمره !
و في الصفحة التي قبل التي أشرنا إليها قوله :
في " صحيح مسلم " قال صلى الله عليه وسلم : " من غسل ميتا و كتم عليه غفر الله
له أربعين سيئة " .
فهذا ليس في " صحيح مسلم " و لا في شيء من الكتب ، و إنما رواه الحاكم فقط
و البيهقي بلفظ : " أربعين مرة " .
فهذا قل من جل مما في هذا الكتاب من الأحاديث الموضوعة و التخريجات التي لا أصل
لها ، و يعلم الله أنني عثرت عليها دون تقصد ، و لو أنني قرأت الكتاب من أوله
إلى آخره قاصدا بيان ما فيه من المنكرات لجاء كتابا أكبر من كتابه ! و إلى الله
المشتكى !
و أما ما فيه من المسائل الفقهية المستنكرة فكثيرة أيضا ، و ليس هذا مجال القول
في ذلك ، و إنما أكتفي بمثالين فقط ، قال ( ص 36 ) في صدد بيان آداب الاغتسال :
و أن يصلى ركعتين بعد خروجه سنة الخروج من الحمام !
و هذه السنة لا أصل لها البتة في شيء من كتب السنة حتى التي تروى الموضوعات !
و لا أعلم أحدا من الأئمة المجتهدين قال بها !
و قال ( ص 252 - 253 ) :
لا بأس بالتهليل و التكبير و الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعني جهرا
قدام الجنازة ، لأنه صار شعارا للميت ، و في تركه ازدراء به ، و تعرض للتكلم
فيه و في ورثته ، و لو قيل بوجوبه لم يبعد !
و هذا مع كونه من البدع المحدثة التي لا أصل لها في السنة فلم يقل بها أحد من
الأئمة أيضا ، و إنى لأعجب أشد العجب من هؤلاء المتأخرين الذين يحرمون على طالب
العلم أن يتبع الحديث الصحيح بحجة أن المذهب على خلافه ، ثم يجتهدون هم فيها لا
مجال للاجتهاد فيه لأنه خلاف السنة و خلاف ما قال الأئمة أيضا الذين يزعمون
تقليدهم ، وايم الله إني لأكاد أميل إلى الأخذ بقول من يقول من المتأخرين بسد
باب الاجتهاد حين أرى مثل هذه الاجتهادات التي لا يدل عليها دليل شرعى و لا
تقليد لإمام ! فإن هؤلاء المقلدين إن اجتهدوا كان خطؤهم أكثر من إصابتهم ،
و إفسادهم أكثر من إصلاحهم ، و الله المستعان .
و إليك مثالا ثالثا هو أخطر من المثالين السابقين لتضمنه الاحتيال على استحلال
ما حرمه الله و رسوله ، بل هو من الكبائر بإجماع الأمة ألا و هو الربا ! قال
ذلك المسكين ( ص 321 ) :
" إذا نذر المقترض مالا معينا لمقرضه ما دام دينه أو شيء منه صح نذره ، بأن
يقول : لله علي ما دام المبلغ المذكور أو شيء منه في ذمتي أن أعطيك كل شهر أو
كل سنة كذا .
و معنى ذلك أنه يحلل للمقترض أن يأخذ فائدة مسماه كل شهر أو كل سنة من المستقرض
إلى أن يوفي إليه دينه ، و لكنه ليس باسم ربا ، بل باسم نذر يجب الوفاء به
و هو قربة عنده ! ! فهل رأيت أيها القاريء تلاعبا بأحكام الشريعة و احتيالا على
حرمات الله مثلما فعل هذا الرجل المتعالم ؟ أما أنا فما أعلم يفعل مثله أحد إلا
أن يكون اليهود الذين عرفوا بذلك منذ القديم ، و ما قصة احتيالهم على صيد السمك
يوم السبت ببعيدة عن ذهن القاريء ، و كذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " قاتل
الله اليهود ، إن الله لما حرم عليهم الشحم جملوه ، أي ذوبوه ، ثم باعوه
و أكلوا ثمنه " ! رواه الشيخان في " صحيحيهما " و هو مخرج في " الإرواء " (
1290) بل إن ما فعله اليهود دون ما أتى به هذا المتمشيخ ، فإن أولئك و إن
استحلوا ما حرم الله ، فإن هذا شاركهم في ذلك و زاد عليهم أنه يتقرب إلى الله
باستحلال ما حرم الله !! بطريق النذر !
و لا أدري هل بلغ مسامع هذا الرجل أم لا قوله صلى الله عليه وسلم : " لا
ترتكبوا ما ارتكب اليهود ، فترتكبوا محارم الله بأدنى الحيل " رواه ابن بطة في
" جزء الخلع و إبطال الحيل " و إسناده جيد كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره
( 2 / 257 ) و غيره في غيره ، و الذي أعتقده في أمثاله أنه سواء عليه أبلغه هذا
الحديث أو لا ، لأنه ما دام قد سد على نفسه باب الاهتداء بالقرآن و السنة
و التفقه بهما استغناء منه عنهما بحثالات آراء المتأخرين كمثل هذا الرأي الذي
استحل به ما حرم الله ، و الذي أظن أنه ليس من مبتكراته ! فلا فائدة ترجي له من
هذا الحديث و أمثاله مما صح عنه صلى الله عليه وسلم و هذا يقال فيما لو فرض فيه
الإخلاص و عدم اتباع الهوى نسأل الله السلامة .
و مع أن هذا هو مبلغ علم المؤلف المذكور فإنه مع ذلك مغرور بنفسه معجب بعلمه ،
فاسمع إليه يصف رسالة له في هذا الكتاب ( ص 58 ) :
" فإنها جمعت فأوعت كل شيء ( ! ) لا مثيل لها في هذا الزمان ، و لم يسمع الزمان
بها حتى الآن ، فجاءت آية في تنظيمها و تنسيقها و كثرة مسائلها و استنباطها ،
ففيها من المسائل ما لا يوجد في المجلدات ، فظهرت لعالم الوجود عروسا حسناء ،
بعد جهود جبارة و أتعاب سنين كثيرة ، و مراجعات مجلدات كثيرة و كتب عديدة ، فهي
الوحيدة في بابها و الزبدة في لبابها ، تسر الناظرين و تشرح صدر العالمين !
و لا يستحق هذا الكلام الركيك في بنائه العريض في مرامه أن يعلق عليه بشيء ،
و لكني تساءلت في نفسي فقلت : إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في
الذين يمدحون غيرهم " احثوا في وجوه المداحين التراب " فماذا يقول فيمن يمدح
نفسه و بما ليس فيه ؟ فاللهم عرفنا بنفوسنا و خلقنا بأخلاق نبيك المصطفى
صلى الله عليه وسلم .
هذه كلمة وجيزة أحببت أن أقولها حول هذا الكتاب " تعاليم الإسلام " بمناسبة هذا
الحديث الباطل نصحا مني لآخواني المسلمين حتى يكونوا على بصيرة منه إذا ما وقع
تحت أيديهم ، و الله يقول الحق و يهدى السبيل .
(1/493)
0 التعليقات:
إرسال تعليق