" يجوز الجذع من الضأن أضحية " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 157 ) :
ضعيف .
أخرجه ابن ماجه ( 2 / 275 ) و البيهقي و أحمد ( 6 / 338 ) من طريق محمد بن
أبي يحيى مولى الأسلميين عن أمه عن أم بلال بنت هلال عن أبيها مرفوعا ،
و هذا سند ضعيف من أجل أم محمد بن أبي يحيى فإنها مجهولة كما قال ابن حزم
( 7 / 365 ) و قال : و أم بلال مجهولة ، و لا ندري لها صحبة أم لا ، قال السندي
قال الدميري : أصاب ابن حزم في الأول ، و أخطأ في الثاني ، فقد ذكر
أم بلال في الصحابة ابن منده و أبو نعيم و ابن عبد البر ، ثم قال الذهبي في
" الميزان " : إنها لا تعرف و وثقها العجلي .
قلت : الحق ما قاله ابن حزم فيها ، فإنها لا تعرف إلا في هذا الحديث ، و مع أنه
ليس فيه التصريح بصحبتها ففي الإسناد إليها جهالة كما علمت فأنى ثبوت الصحبة
لها ؟ ! ثم من الغرائب أن يسكت الزيلعي في " نصب الراية " ( 4 / 217 - 218 )
على هذا الحديث مع ثبوت ضعفه ! و في الباب أحاديث أخرى أوردها ابن حزم في
" المحلى " ( 7 / 364 - 365 ) و ضعفها كلها ، و قد أصاب إلا في تضعيفه لحديث
عقبة بن عامر قال : ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن .
أخرجه النسائي ( 2 / 204 ) و البيهقي ( 9 / 270 ) من طريق بكير بن الأشج عن
معاذ بن عبد الله بن خبيب عنه ، و هذا إسناد جيد رجاله ثقات ، و إعلال بن حزم
له بقوله : ابن خبيب هذا مجهول ، غير مقبول ، فإن معاذا هذا وثقه ابن معين
و أبو داود و ابن حبان و قال الدارقطني : ليس بذاك و لهذا قال الحافظ في
" الفتح " بعد أن عزاه للنسائي : سنده قوي ، لكن رواه أحمد ( 4 / 152 ) من طريق
أسامة بن زيد عن معاذ به بلفظ : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذع ؟
فقال : " ضح به ، لا بأس به " ، و إسناده حسن و هو يخالف الأول في أنه مطلق ،
و ذاك خاص في الضأن ، و على الأول فيمكن أن يراد به الجذع من المعز و تكون
خصوصية لعقبة ، لحديثه الآخر قال : قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه
ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت : يا رسول الله صارت لي جذعة ، و في رواية عتود
و هو الجذع من المعز قال : " ضح بها " ، أخرجه البخاري ( 10 / 3 - 4 و 9 - 10 )
و البيهقي ( 9 / 270 ) و زاد : " و لا أرخصه لأحد فيها بعد " ، و يمكن أن يحمل
المطلق على الضأن أيضا بدليل حديث أسامة و عليه يحتمل أن يكون ذلك خصوصية له
أيضا ، أو كان ذلك لعذر مثل تعذر المسنة من الغنم و غلاء سعرها و هذا هو الأقرب
لحديث عاصم بن كليب عن أبيه قال : كنا نؤمر علينا في المغازي أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم ، و كنا بفارس ، فغلت علينا يوم النحر المسان ، فكنا نأخذ
المسنة بالجذعين و الثلاثة ، فقام فينا رجل من مزينة فقال : كنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأصبنا مثل هذا اليوم فكنا نأخذ المسنة بالجذعين و الثلاثة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الجذع يوفي مما يوفي الثني " ، أخرجه
النسائي و الحاكم ( 4 / 226 ) و أحمد ( 268 ) و قال الحاكم : حديث صحيح ، و هو
كما قال ، و قال ابن حزم ( 7 / 267 ) : إنه في غاية الصحة ، و رواه أبو داود
( 2 / 3 ) و ابن ماجه ( 2 / 275 ) و البيهقي ( 9 / 270 ) مختصرا ، و في روايتهم
تسمية الصحابي بمجاشع بن مسعود السلمي و هو رواية للحاكم ، فهذا الحديث يدل
بظاهره على أن الجذعة من الضأن إنما تجوز عند غلاء سعر المسان و تعسرها ،
و يؤيده حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا : " لا تذبحوا إلا مسنة ، إلا أن يعسر
عليكم ، فتذبحوا جذعة من الضأن " ، أخرجه مسلم ( 6 / 72 ) و أبو داود ( 2 / 3 )
( 3 / 312 ، 327 ) و قال الحافظ في " الفتح " : إنه حديث صحيح .
و خلاصة القول أن حديث الباب لا يصح ، و كذا ما في معناه ، و حديث جابر و عاصم
ابن كليب على خلافها ، فالواجب العمل بهما ، و تأويلهما من أجل أحاديث الباب لا
يسوغ لصحتهما و ضعف معارضهما ، والله أعلم .
( فائدة ) : المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل و البقر و الغنم ، و هي من
الغنم و البقر ما دخل في السنة الثالثة ، و من الإبل ما دخل في السادسة و الجذع
من الضأن ما له سنة تامة على الأشهر عند أهل اللغة و جمهور أهل العلم كما قال
الشوكاني و غيره .
استدراك : ذلك ما كنت كتبته سابقا منذ نحو خمس سنوات ، و كان محور اعتمادي في
ذلك على حديث جابر المذكور من رواية مسلم عن أبي الزبير عنه مرفوعا : " لا
تذبحوا إلا مسنة ... " ، و تصحيح الحافظ ابن حجر إياه ، ثم بدا لي أني كنت
واهما في ذلك ، تبعا للحافظ ، و أن هذا الحديث الذي صححه هو و أخرجه مسلم كان
الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة ، لا أن تتأول به الأحاديث الصحيحة
ذلك لأن أبا الزبير هذا مدلس ، و قد عنعنه ، و من المقرر في " علم المصطلح " أن
المدلس لا يحتج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث ، و هذا هو الذي صنعه أبو الزبير
هنا ، فعنعن ، و لم يصرح ، و لذلك انتقد المحققون من أهل العلم أحاديث يرويها
أبو الزبير بهذا الإسناد أخرجها مسلم ، اللهم إلا ما كان من رواية الليث بن سعد
عنه ، فإنه لم يرو عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث ، فقال الحافظ الذهبي في ترجمة
أبي الزبير - و اسمه محمد بن مسلم بن تدرس بعد أن ذكر فيه طعن بعض الأئمة بما
لا يقدح في عدالته : و أما أبو محمد بن حزم ، فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه عن
جابر و نحوه لأنه عندهم ممن يدلس ، فإذا قال : سمعت ، و أخبرنا احتج به ،
و يحتج به ابن حزم إذا قال : عن مما رواه عنه الليث بن سعد خاصة ، و ذلك لأن
سعيد بن أبي مريم قال : حدثنا الليث قال : جئت أبا الزبير ، فدفع إلى كتابين ،
فانقلبت بهما ، ثم قلت في نفسي : لو أننى عاودته فسألته أسمع هذا من جابر ؟
فسألته ، فقال : منه ما سمعت ، و منه ما حدثت به ، فقلت : أعلم لي على ما سمعت
منه ، فأعلم لي على هذا الذي عندي ، ثم قال الذهبي : و في " صحيح مسلم " عدة
أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر ، و لا هي من طريق الليث
عنه ، ففي القلب منها شيء ، و قال الحافظ في ترجمته من " التقريب " : صدوق إلا
أنه يدلس ، و أورده في المرتبة الثالثة من كتابه " طبقات المدلسين ( ص 15 )
و قال : مشهور بالتدليس ، و وهم الحاكم في " كتاب علوم الحديث " فقال في سنده :
و فيه رجال غير معروفين بالتدليس ! و قد وصفه النسائي و غيره بالتدليس ، و قال
في مقدمة الكتاب في صدد شرح مراتبه : الثالثة من أكثر من التدليس ، فلم يحتج
الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ، و منهم من رد حديثهم مطلقا ،
و منهم من قبلهم ، كأبي الزبير المكي .
قلت : و الصواب من ذلك المذهب الأول و هو قبول ما صرحوا فيه بالسماع و عليه
الجمهور خلافا لابن حزم فإنه يرد حديثهم مطلقا و لو صرحوا بالتحديث كما نص عليه
في أول كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " على ما أذكر ، فإن يدي لا تطوله الآن
و أرى أنه قد تناقض في أبي الزبير منهم خاصة ، فقد علمت مما نقلته لك عن الذهبي
آنفا أن ابن حزم يحتج به إذا قال : سمعت ، و هذا ما صرح به في هذا الحديث ذاته
فقال في " المحلى " في صدد الرد على المخالفين له ( 7 / 363 - 364 ) : هذا حجة
على الحاضرين من المخالفين ، لأنهم يجيزون الجذع من الضأن ، مع وجود المسنات ،
فقد خالفوه ، و هم يصححونه ، و أما نحن فلا نصححه ، لأن أبا الزبير مدلس ما لم
يقل في الخبر أنه سمعه من جابر ، هو أقر بذلك على نفسه ، روينا ذلك عنه من طريق
الليث بن سعد .
انظر " الإحكام " ( 1 / 139 ـ 140 ) ، و مقدمتي لـ" مختصر مسلم " ( المكتبة
الإسلامية ) .
و جملة القول : أن كل حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة عن و نحوها
و ليس من رواية الليث بن سعد عنه ، فينبغي التوقف عن الاحتجاج به ، حتى يتبين
سماعه ، أو ما يشهد له ، و يعتضد به .
هذه حقيقة يجب أن يعرفها كل محب للحق ، فطالما غفل عنها عامة الناس ، و قد كنت
واحدا منهم ، حتى تفضل الله علي فعرفني بها ، فله الحمد و الشكر ، و كان من
الواجب علي أن أنبه على ذلك ، فقد فعلت ، و الله الموفق لا رب سواه .
و إذا تبين هذا ، فقد كنت ذكرت قبل حديث جابر هذا حديثين ثابتين في التضحية
بالجذع من الضأن ، أحدهما حديث عقبة بن عامر ، و الآخر حديث مجاشع بن مسعود
السلمي و فيه : " أن الجذع يوفي مما يوفي الثني " ، و كنت تأولتهما بما يخالف
ظاهرهما توفيقا بينهما و بين حديث جابر ، فإذ قد تبين ضعفه ، و أنه غير صالح
للاحتجاج به ، و لتأويل ما صح من أجله ، فقد رجعت عن ذلك ، إلى دلالة الحديثين
الظاهرة في جواز التضحية بالجذع من الضأن خاصة ، و حديث مجاشع و إن كان بعمومه
يشمل الجذع من المعز ، فقد جاء ما يدل على أنه غير مراد و هو حديث البراء قال :
ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك شاة
لحم " ، فقال : يا رسول الله إن عندي جذعة من المعز ، فقال : " ضح بها ، و لا
تصلح لغيرك " و في رواية : " اذبحها ، و لن تجزئ عن أحد بعدك " و في أخرى :
" و لا تجزيء جذعة عن أحد بعدك " ، أخرجه مسلم ( 6 / 74 - 76 ) و البخاري نحوه
و يبدو جليا من مجموع الروايات أن المراد بالجذعة في اللفظ الأخير الجذعة من
المعز ، فهو في ذلك كحديث عقبة المتقدم من رواية البخاري ، و أما فهم ابن حزم
من هذا اللفظ جذعة العموم فيشمل عنده الجذعة من الضأن فمن ظاهريته و جموده على
اللفظ دون النظر إلى ما تدل عليه الروايات بمجموعها ، و السياق و السباق ،
و هما من المقيدات ، كما نص على ذلك ابن دقيق العيد و غيره من المحققين .
ذلك هو الجواب الصحيح عن حديث جابر رضي الله عنه ، و أما قول الحافظ في
" التلخيص " ( ص 385 ) .
تنبيه : ظاهر الحديث يقتضي أن الجذع من الضأن لا يجزئ إلا إذا عجز عن المسنة ،
و الإجماع على خلافه ، فيجب تأويله ، بأن يحمل على الأفضل و تقديره : المستحب
أن لا تذبحوا إلا مسنة .
قلت : هذا الحمل بعيد جدا ، و لو سلم فهو تأويل ، و التأويل فرع التصحيح ،
و الحديث ليس بصحيح كما عرفت فلا مسوغ لتأويله .
و قد تأوله بعض الحنابلة بتأويل آخر لعله أقرب من تأويل الحافظ ، ففسر المسنة
بما إذا كانت من المعز ! و يرد هذا ما في رواية لأبي يعلى في " مسنده "
( ق 125 / 2 ) بلفظ : " إذا عز عليك المسان من الضأن ، أجزأ الجذع من الضأن "
و هو و إن كان ضعيف السند كما بينته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار
السبيل " ( رقم 1131 ) ، فمعناه هو الذي يتبادر من اللفظ الأول .
و لعل الذي حمل الحافظ و غيره على ارتكاب مثل هذا التأويل البعيد هو الاعتقاد
بأن الإجماع على خلاف ظاهر الحديث ، و قد قاله الحافظ كما رأيت .
فينبغي أن يعلم أن بعض العلماء كثيرا ما يتساهلون في دعوى الإجماع في أمور
الخلاف فيها معروف ، و عذرهم في ذلك أنهم لم يعلموا بالخلاف ، فينبغي التثبت في
هذه الدعوى في مثل هذه المسألة التي لا يستطيع العالم أن يقطع بنفي الخلاف فيها
كما أرشدنا الإمام أحمد رحمه الله بقوله : من ادعى الإجماع فهو كاذب ، و ما
يدريه لعلهم اختلفوا ، أو كما قال رواه ابنه عبد الله بن أحمد في " مسائله " .
فمما يبطل الإجماع المزعوم في هذه المسألة ما روى مالك في " الموطأ " ( 2 /
482 / 2 ) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا و البدن التي لم تسن
و رواه عبد الرزاق عن مالك عن نافع بن ابن عمر قال : " لا تجزيء إلا الثنية
فصاعدا " ، ذكره ابن حزم ( 7 / 361 ) و ذكر بمعناه آثارا أخرى فليراجعها من شاء
الزيادة .
و ختاما أقول : نستطيع أن نستخلص مما سبق من التحقيق : أن حديث هلال هذا :
" نعمت الأضحية الجذع من الضأن " و كذا الذي قبله ، و إن كان ضعيف المبنى ، فهو
صحيح المعنى ، يشهد له حديث عقبة و مجاشع ، و لو أني استقبلت من أمري ما
استدبرت ، لما أوردتهما في هذه " السلسلة " و لأوردت بديلهما حديث جابر هذا ،
و لكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، و لله في خلقه شؤون .
(1/142)
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 157 ) :
ضعيف .
أخرجه ابن ماجه ( 2 / 275 ) و البيهقي و أحمد ( 6 / 338 ) من طريق محمد بن
أبي يحيى مولى الأسلميين عن أمه عن أم بلال بنت هلال عن أبيها مرفوعا ،
و هذا سند ضعيف من أجل أم محمد بن أبي يحيى فإنها مجهولة كما قال ابن حزم
( 7 / 365 ) و قال : و أم بلال مجهولة ، و لا ندري لها صحبة أم لا ، قال السندي
قال الدميري : أصاب ابن حزم في الأول ، و أخطأ في الثاني ، فقد ذكر
أم بلال في الصحابة ابن منده و أبو نعيم و ابن عبد البر ، ثم قال الذهبي في
" الميزان " : إنها لا تعرف و وثقها العجلي .
قلت : الحق ما قاله ابن حزم فيها ، فإنها لا تعرف إلا في هذا الحديث ، و مع أنه
ليس فيه التصريح بصحبتها ففي الإسناد إليها جهالة كما علمت فأنى ثبوت الصحبة
لها ؟ ! ثم من الغرائب أن يسكت الزيلعي في " نصب الراية " ( 4 / 217 - 218 )
على هذا الحديث مع ثبوت ضعفه ! و في الباب أحاديث أخرى أوردها ابن حزم في
" المحلى " ( 7 / 364 - 365 ) و ضعفها كلها ، و قد أصاب إلا في تضعيفه لحديث
عقبة بن عامر قال : ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن .
أخرجه النسائي ( 2 / 204 ) و البيهقي ( 9 / 270 ) من طريق بكير بن الأشج عن
معاذ بن عبد الله بن خبيب عنه ، و هذا إسناد جيد رجاله ثقات ، و إعلال بن حزم
له بقوله : ابن خبيب هذا مجهول ، غير مقبول ، فإن معاذا هذا وثقه ابن معين
و أبو داود و ابن حبان و قال الدارقطني : ليس بذاك و لهذا قال الحافظ في
" الفتح " بعد أن عزاه للنسائي : سنده قوي ، لكن رواه أحمد ( 4 / 152 ) من طريق
أسامة بن زيد عن معاذ به بلفظ : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذع ؟
فقال : " ضح به ، لا بأس به " ، و إسناده حسن و هو يخالف الأول في أنه مطلق ،
و ذاك خاص في الضأن ، و على الأول فيمكن أن يراد به الجذع من المعز و تكون
خصوصية لعقبة ، لحديثه الآخر قال : قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه
ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت : يا رسول الله صارت لي جذعة ، و في رواية عتود
و هو الجذع من المعز قال : " ضح بها " ، أخرجه البخاري ( 10 / 3 - 4 و 9 - 10 )
و البيهقي ( 9 / 270 ) و زاد : " و لا أرخصه لأحد فيها بعد " ، و يمكن أن يحمل
المطلق على الضأن أيضا بدليل حديث أسامة و عليه يحتمل أن يكون ذلك خصوصية له
أيضا ، أو كان ذلك لعذر مثل تعذر المسنة من الغنم و غلاء سعرها و هذا هو الأقرب
لحديث عاصم بن كليب عن أبيه قال : كنا نؤمر علينا في المغازي أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم ، و كنا بفارس ، فغلت علينا يوم النحر المسان ، فكنا نأخذ
المسنة بالجذعين و الثلاثة ، فقام فينا رجل من مزينة فقال : كنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأصبنا مثل هذا اليوم فكنا نأخذ المسنة بالجذعين و الثلاثة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الجذع يوفي مما يوفي الثني " ، أخرجه
النسائي و الحاكم ( 4 / 226 ) و أحمد ( 268 ) و قال الحاكم : حديث صحيح ، و هو
كما قال ، و قال ابن حزم ( 7 / 267 ) : إنه في غاية الصحة ، و رواه أبو داود
( 2 / 3 ) و ابن ماجه ( 2 / 275 ) و البيهقي ( 9 / 270 ) مختصرا ، و في روايتهم
تسمية الصحابي بمجاشع بن مسعود السلمي و هو رواية للحاكم ، فهذا الحديث يدل
بظاهره على أن الجذعة من الضأن إنما تجوز عند غلاء سعر المسان و تعسرها ،
و يؤيده حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا : " لا تذبحوا إلا مسنة ، إلا أن يعسر
عليكم ، فتذبحوا جذعة من الضأن " ، أخرجه مسلم ( 6 / 72 ) و أبو داود ( 2 / 3 )
( 3 / 312 ، 327 ) و قال الحافظ في " الفتح " : إنه حديث صحيح .
و خلاصة القول أن حديث الباب لا يصح ، و كذا ما في معناه ، و حديث جابر و عاصم
ابن كليب على خلافها ، فالواجب العمل بهما ، و تأويلهما من أجل أحاديث الباب لا
يسوغ لصحتهما و ضعف معارضهما ، والله أعلم .
( فائدة ) : المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل و البقر و الغنم ، و هي من
الغنم و البقر ما دخل في السنة الثالثة ، و من الإبل ما دخل في السادسة و الجذع
من الضأن ما له سنة تامة على الأشهر عند أهل اللغة و جمهور أهل العلم كما قال
الشوكاني و غيره .
استدراك : ذلك ما كنت كتبته سابقا منذ نحو خمس سنوات ، و كان محور اعتمادي في
ذلك على حديث جابر المذكور من رواية مسلم عن أبي الزبير عنه مرفوعا : " لا
تذبحوا إلا مسنة ... " ، و تصحيح الحافظ ابن حجر إياه ، ثم بدا لي أني كنت
واهما في ذلك ، تبعا للحافظ ، و أن هذا الحديث الذي صححه هو و أخرجه مسلم كان
الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة ، لا أن تتأول به الأحاديث الصحيحة
ذلك لأن أبا الزبير هذا مدلس ، و قد عنعنه ، و من المقرر في " علم المصطلح " أن
المدلس لا يحتج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث ، و هذا هو الذي صنعه أبو الزبير
هنا ، فعنعن ، و لم يصرح ، و لذلك انتقد المحققون من أهل العلم أحاديث يرويها
أبو الزبير بهذا الإسناد أخرجها مسلم ، اللهم إلا ما كان من رواية الليث بن سعد
عنه ، فإنه لم يرو عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث ، فقال الحافظ الذهبي في ترجمة
أبي الزبير - و اسمه محمد بن مسلم بن تدرس بعد أن ذكر فيه طعن بعض الأئمة بما
لا يقدح في عدالته : و أما أبو محمد بن حزم ، فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه عن
جابر و نحوه لأنه عندهم ممن يدلس ، فإذا قال : سمعت ، و أخبرنا احتج به ،
و يحتج به ابن حزم إذا قال : عن مما رواه عنه الليث بن سعد خاصة ، و ذلك لأن
سعيد بن أبي مريم قال : حدثنا الليث قال : جئت أبا الزبير ، فدفع إلى كتابين ،
فانقلبت بهما ، ثم قلت في نفسي : لو أننى عاودته فسألته أسمع هذا من جابر ؟
فسألته ، فقال : منه ما سمعت ، و منه ما حدثت به ، فقلت : أعلم لي على ما سمعت
منه ، فأعلم لي على هذا الذي عندي ، ثم قال الذهبي : و في " صحيح مسلم " عدة
أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر ، و لا هي من طريق الليث
عنه ، ففي القلب منها شيء ، و قال الحافظ في ترجمته من " التقريب " : صدوق إلا
أنه يدلس ، و أورده في المرتبة الثالثة من كتابه " طبقات المدلسين ( ص 15 )
و قال : مشهور بالتدليس ، و وهم الحاكم في " كتاب علوم الحديث " فقال في سنده :
و فيه رجال غير معروفين بالتدليس ! و قد وصفه النسائي و غيره بالتدليس ، و قال
في مقدمة الكتاب في صدد شرح مراتبه : الثالثة من أكثر من التدليس ، فلم يحتج
الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ، و منهم من رد حديثهم مطلقا ،
و منهم من قبلهم ، كأبي الزبير المكي .
قلت : و الصواب من ذلك المذهب الأول و هو قبول ما صرحوا فيه بالسماع و عليه
الجمهور خلافا لابن حزم فإنه يرد حديثهم مطلقا و لو صرحوا بالتحديث كما نص عليه
في أول كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " على ما أذكر ، فإن يدي لا تطوله الآن
و أرى أنه قد تناقض في أبي الزبير منهم خاصة ، فقد علمت مما نقلته لك عن الذهبي
آنفا أن ابن حزم يحتج به إذا قال : سمعت ، و هذا ما صرح به في هذا الحديث ذاته
فقال في " المحلى " في صدد الرد على المخالفين له ( 7 / 363 - 364 ) : هذا حجة
على الحاضرين من المخالفين ، لأنهم يجيزون الجذع من الضأن ، مع وجود المسنات ،
فقد خالفوه ، و هم يصححونه ، و أما نحن فلا نصححه ، لأن أبا الزبير مدلس ما لم
يقل في الخبر أنه سمعه من جابر ، هو أقر بذلك على نفسه ، روينا ذلك عنه من طريق
الليث بن سعد .
انظر " الإحكام " ( 1 / 139 ـ 140 ) ، و مقدمتي لـ" مختصر مسلم " ( المكتبة
الإسلامية ) .
و جملة القول : أن كل حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة عن و نحوها
و ليس من رواية الليث بن سعد عنه ، فينبغي التوقف عن الاحتجاج به ، حتى يتبين
سماعه ، أو ما يشهد له ، و يعتضد به .
هذه حقيقة يجب أن يعرفها كل محب للحق ، فطالما غفل عنها عامة الناس ، و قد كنت
واحدا منهم ، حتى تفضل الله علي فعرفني بها ، فله الحمد و الشكر ، و كان من
الواجب علي أن أنبه على ذلك ، فقد فعلت ، و الله الموفق لا رب سواه .
و إذا تبين هذا ، فقد كنت ذكرت قبل حديث جابر هذا حديثين ثابتين في التضحية
بالجذع من الضأن ، أحدهما حديث عقبة بن عامر ، و الآخر حديث مجاشع بن مسعود
السلمي و فيه : " أن الجذع يوفي مما يوفي الثني " ، و كنت تأولتهما بما يخالف
ظاهرهما توفيقا بينهما و بين حديث جابر ، فإذ قد تبين ضعفه ، و أنه غير صالح
للاحتجاج به ، و لتأويل ما صح من أجله ، فقد رجعت عن ذلك ، إلى دلالة الحديثين
الظاهرة في جواز التضحية بالجذع من الضأن خاصة ، و حديث مجاشع و إن كان بعمومه
يشمل الجذع من المعز ، فقد جاء ما يدل على أنه غير مراد و هو حديث البراء قال :
ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك شاة
لحم " ، فقال : يا رسول الله إن عندي جذعة من المعز ، فقال : " ضح بها ، و لا
تصلح لغيرك " و في رواية : " اذبحها ، و لن تجزئ عن أحد بعدك " و في أخرى :
" و لا تجزيء جذعة عن أحد بعدك " ، أخرجه مسلم ( 6 / 74 - 76 ) و البخاري نحوه
و يبدو جليا من مجموع الروايات أن المراد بالجذعة في اللفظ الأخير الجذعة من
المعز ، فهو في ذلك كحديث عقبة المتقدم من رواية البخاري ، و أما فهم ابن حزم
من هذا اللفظ جذعة العموم فيشمل عنده الجذعة من الضأن فمن ظاهريته و جموده على
اللفظ دون النظر إلى ما تدل عليه الروايات بمجموعها ، و السياق و السباق ،
و هما من المقيدات ، كما نص على ذلك ابن دقيق العيد و غيره من المحققين .
ذلك هو الجواب الصحيح عن حديث جابر رضي الله عنه ، و أما قول الحافظ في
" التلخيص " ( ص 385 ) .
تنبيه : ظاهر الحديث يقتضي أن الجذع من الضأن لا يجزئ إلا إذا عجز عن المسنة ،
و الإجماع على خلافه ، فيجب تأويله ، بأن يحمل على الأفضل و تقديره : المستحب
أن لا تذبحوا إلا مسنة .
قلت : هذا الحمل بعيد جدا ، و لو سلم فهو تأويل ، و التأويل فرع التصحيح ،
و الحديث ليس بصحيح كما عرفت فلا مسوغ لتأويله .
و قد تأوله بعض الحنابلة بتأويل آخر لعله أقرب من تأويل الحافظ ، ففسر المسنة
بما إذا كانت من المعز ! و يرد هذا ما في رواية لأبي يعلى في " مسنده "
( ق 125 / 2 ) بلفظ : " إذا عز عليك المسان من الضأن ، أجزأ الجذع من الضأن "
و هو و إن كان ضعيف السند كما بينته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار
السبيل " ( رقم 1131 ) ، فمعناه هو الذي يتبادر من اللفظ الأول .
و لعل الذي حمل الحافظ و غيره على ارتكاب مثل هذا التأويل البعيد هو الاعتقاد
بأن الإجماع على خلاف ظاهر الحديث ، و قد قاله الحافظ كما رأيت .
فينبغي أن يعلم أن بعض العلماء كثيرا ما يتساهلون في دعوى الإجماع في أمور
الخلاف فيها معروف ، و عذرهم في ذلك أنهم لم يعلموا بالخلاف ، فينبغي التثبت في
هذه الدعوى في مثل هذه المسألة التي لا يستطيع العالم أن يقطع بنفي الخلاف فيها
كما أرشدنا الإمام أحمد رحمه الله بقوله : من ادعى الإجماع فهو كاذب ، و ما
يدريه لعلهم اختلفوا ، أو كما قال رواه ابنه عبد الله بن أحمد في " مسائله " .
فمما يبطل الإجماع المزعوم في هذه المسألة ما روى مالك في " الموطأ " ( 2 /
482 / 2 ) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا و البدن التي لم تسن
و رواه عبد الرزاق عن مالك عن نافع بن ابن عمر قال : " لا تجزيء إلا الثنية
فصاعدا " ، ذكره ابن حزم ( 7 / 361 ) و ذكر بمعناه آثارا أخرى فليراجعها من شاء
الزيادة .
و ختاما أقول : نستطيع أن نستخلص مما سبق من التحقيق : أن حديث هلال هذا :
" نعمت الأضحية الجذع من الضأن " و كذا الذي قبله ، و إن كان ضعيف المبنى ، فهو
صحيح المعنى ، يشهد له حديث عقبة و مجاشع ، و لو أني استقبلت من أمري ما
استدبرت ، لما أوردتهما في هذه " السلسلة " و لأوردت بديلهما حديث جابر هذا ،
و لكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، و لله في خلقه شؤون .
(1/142)
0 التعليقات:
إرسال تعليق