" سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن " .

" سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن " .

قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 132 ) :
منكر جدا .
و قد روي من حديث أبي هريرة و ابن عمر و أنس و ابن عباس .
1 ـ أما حديث أبي هريرة فقد روي من ثلاث طرق عن أبي سعيد المقبري عنه .
الأولى : عن محمد بن يعقوب الفرجي قال : نبأنا محمد بن عبد الملك بن قريب
الأصمعي قال : نبأنا أبي عن أبي معشر عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة .
أخرجه أبو سعد الماليني في " الأربعين في شيوخ الصوفية " ( 5 / 1 ) و أبو نعيم
في " الحلية " ( 10 / 290 ) و الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 1 / 417 ) ، و من
طريقه ابن الجوزي في " الواهيات " ( 1178 ) و قال : لم أسمع لمحمد بن الأصمعي
ذكرا إلا في هذا الحديث ، قال الذهبي في ترجمته : و هو حديث منكر جدا ، ثم ساقه
بهذا السند ثم قال : هذا غير صحيح ، و أقره الحافظ في " اللسان " .
قلت : و لهذا الإسناد ثلاث علل :
أ - ابن الأصمعي هذا و هو مجهول كما يشير إليه كلام الخطيب السابق .
ب - الراوي عنه محمد بن يعقوب الفرجي ، لم أجد له ترجمة إلا أن الماليني أورده
في " شيوخ الصوفية " و لم يذكر فيه تعديلا و لا جرحا ، و كذلك فعل الخطيب في
" تاريخ بغداد " ( 3 / 388 ) إلا أنه قال : و كان يحفظ الحديث ، و لعله هو
الآفة .
ج - أبو معشر و اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي ضعيف اتفاقا ، و ضعفه يحيى بن
سعيد جدا ، و كذا البخاري حيث قال : منكر الحديث .
الطريق الثانية : قال عبد الله بن سالم : حدثنا عمار بن مطر الرهاوي - و كان
حافظا للحديث - حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة ، أخرجه ابن عدي في
" الكامل " ( 5 / 72 ـ بيروت ) ، و عنه ابن الجوزي في " الواهيات " ( 2 / 219 )
و قال : لا يصح ، و ذكره الذهبي في ترجمة عمار هذا ، و قال : هالك ، وثقه بعضهم
و منهم من وصفه بالحفظ ، ثم ساقه ثم ذكر أحاديث منكرة ، ثم ختم ترجمته بقوله :
قال أبو حاتم الرازي : كان يكذب ، و قال ابن عدي : أحاديثه بواطيل ، و قال
الدارقطني : ضعيف .
قلت : فهذه متابعة قوية لأبي معشر من ابن أبي ذئب ، و لكنه لا يعتد بها ، فإنه
و إن كان ثقة ففي الطريق إليه ذلك الهالك ، لكنه روي من طريق غيره و هو :
الطريق الثالثة : أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 5 / 72 ) ، و من طريقه ابن
الجوزي عن أبي شهاب عبد القدوس بن عبد القاهر بن أبي ذئب أبي شهاب سمعه من صدقة
ابن أبي الليث الحصني - و كان من الثقات - عن ابن أبي ذئب ، ذكره ابن حجر في
" اللسان " في ترجمة عبد القدوس هذا بعد أن قال فيه الذهبي : له أكاذيب وضعها ،
ثم ذكر منها حديثا ، ثم ذكر الحافظ منها حديثا آخر هو هذا ثم قال : و هذا إنما
يعرف برواية عمار بن مطر عن ابن أبي ذئب ، و كان الناس ينكرونه على عمار ، و قد
عرفت حال عمار آنفا .
و خير هذه الطرق الأولى ، و مع ذلك فهي واهية لكثرة عللها ، و قد قال الحافظ في
" تخريج الكشاف " ( 130 رقم 181 ) : و إسناده ضعيف .
2 ـ و أما حديث ابن عمر ، فأخرجه عباس الدوري في " تاريخ ابن معين " ( ق 41 /
2 ) ، و ابن عدي ( 5 / 13 و 7 / 77 ) ، و الخطيب في " الجامع " ( 5 / 91 / 2 )
نسخة الإسكندرية و الواحدي في " الوسيط " ( 3 / 194 / 1 ) و الثعلبي في
" التفسير " ( 3 / 78 / 2 ) ، و ابن الجوزي في " الواهيات " ( 1177 ) عن الوليد
ابن سلمة - قاضي الأردن - حدثنا عمر بن صهبان عن نافع عنه ، و قال ابن عدي :
و عمر هذا عامة أحاديثه لا يتابعه الثقات عليه و يغلب على حديثه المناكير .
قلت : و هو ضعيف جدا ، قال البخاري : منكر الحديث ، و قال الدارقطني : متروك
الحديث .
قلت : لكن الراوي عنه الوليد بن سلمة شر منه فقد قال فيه أبو مسهر و دحيم
و غيرهما : كذاب ، و قال ابن حبان : يضع الحديث على الثقات .
و قد ساق ابن عدي له أحاديث ، و منها هذا الحديث أورده في ترجمته أيضا و قال و
كذا في " المنتخب منه " ( ق 350 / 1 ) و غيره : عامتها غير محفوظة .
3 ـ و أما حديث أنس ، فأخرجه ابن بشران في " الأمالي " ( 23 / 69 / 2 ) ،
و الخطيب في " الجامع " ( 2 / 22 / 1 ) من طريق محمد بن يونس حدثنا يوسف بن
كامل حدثنا عبد السلام بن سليمان الأزدي عن أبان عنه مرفوعا بلفظ : " ... بهاء
الوجه " .
و هذا إسناد باطل ليس فيهم من هو معروف بالثقة باستثناء أنس طبعا .
أما أبان فهو ابن أبي عياش الزاهد البصري ، و قال أحمد : متروك الحديث ، و قال
شعبة : لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان .
قلت : و لا يجوز أن يقال مثل هذا إلا فيمن هو كذاب معروف بذلك و قد كان شعبة
يحلف على ذلك ، و لعله كان لا يتعمد الكذب ، فقد قال فيه ابن حبان : كان أبان
من العباد يسهر الليل بالقيام و يطوي النهار بالصيام ، سمع من أنس أحاديث
و جالس الحسن فكان يسمع كلامه و يحفظ ، فإذا حدث ربما جعل كلام الحسن عن أنس
مرفوعا و هو لا يعلم ! و لعله روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من
ألف حديث و خمس مئة حديث ما لكبير شيء منها أصل يرجع له ! .
و أما عبد السلام بن سليمان الأزدي ، فالظاهر أنه أبو همام العبدي ، فإنه من
طبقته سمع داود بن أبي هند روى عنه حرمي بن عمارة و أبو سلمة و يحيى بن يحيى
كما قال أبو حاتم على ما في " الجرح و التعديل " ( 3 / 1 / 46 ) و لم يذكر فيه
جرحا و لا تعديلا فهو مجهول الحال ، و أما ابن حبان فأورده في " الثقات " ( 2 /
182 ) على قاعدته و أورد قبله راويا آخر فقال : عبد السلام بن سليمان يروي عن
يزيد بن سمرة ، عداده في أهل الشام ، روى عنه الأوزاعي .
و الظاهر أنه ليس هو راوي هذا الحديث فإن إسناده ليس شاميا ، فإنما هو الذي
قبله .
و أما يوسف بن كامل ، فالظاهر أنه العطار ، روى عن سويد بن أبي حاتم و نافع بن
عمر الجمحي ، روى عنه عمرو بن علي الصيرفي كما في " الجرح و التعديل " ( 4 /
2 / 228 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و لعله في " ثقات ابن حبان "
فليراجع في أتباع أتباع التابعين منه ، فإن نسختنا منه ينقص منها هذا المجلد
و ما دونه .
و أما محمد بن يونس فهو الكديمي قال ابن عدي : قد اتهم بالوضع ، و قال
ابن حبان : لعله وضع أكثر من ألف حديث ، و كذبه أبو داود و موسى بن هارون
و القاسم بن المطرز ، و قال الدارقطني : يتهم بوضع الحديث ، و ما أحسن فيه
القول إلا من لم يخبر حاله .
4 ـ و أما حديث ابن عباس فعزاه السيوطي في " الجامع " لابن النجار ، و لم أقف
على إسناده ، و غالب الظن أنه واه كغيره ، و قد بيض له المناوي .
فتبين من هذا التحقيق أن هذه الطرق كلها واهية جدا فلا تصلح لتقوية الطريق
الأولى منها ، و هي على ضعفها أحسنها حالا ، فلا تغتر بقول الحافظ السخاوي في
" المقاصد " ( 240 ) : و شواهده كثيرة ، فإنها لا تصلح للشهادة كما ذكرنا .
و الظاهر أن أصل الحديث موقوف رفعه أولئك الضعفاء عمدا أو سهوا ، فقد رأيت في
" المنتقى من المجالسة " للدينوري ( 52 / 2 ) بسند صحيح عن مغيرة قال : قال
إبراهيم : ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق ، و يقال : " سرعة المشي
تذهب بهاء المؤمن " .
و ذكره الشيخ على القاري في " شرح الشمائل " ( 1 / 52 ) من قول الزهري .
و يكفي في رد هذا الحديث أنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في مشيه ،
فقد كان صلى الله عليه وسلم سريع المشي كما ثبت ذلك عنه في غير ما حديث ، و روى
ابن سعد في " الطبقات " عن الشفاء بنت عبد الله أم سليمان قالت : كان عمر إذا
مشى أسرع .
و لعل هذا الحديث من افتراء بعض المتزهدين الذين يرون أن الكمال أن يمشي المسلم
متباطئا متماوتا كأن به مرضا ! و هذه الصفة ليست مرادة قطعا بقوله تعالى :
*( و عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ، و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما )* ، قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها : هونا : أي بسكينة و وقار من غير
جبرية و لا استكبار ، كقوله تعالى : * ( و لا تمش في الأرض مرحا )* ، فأما
هؤلاء فإنهم يمشون بغير استكبار و لا مرح و لا أشر و لا بطر .
و ليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعا و رياء ، فقد كان سيد ولد آدم عليه
الصلاة و السلام إذا مشى كأنما ينحط من صبب و كأنما تطوى الأرض له ، و قد كره
بعض السلف المشي بتضعف ، حتى روى عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا ، فقال : ما
بالك أأنت مريض ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين ، فعلاه بالدرة و أمره أن يمشي
بقوة ، و إنما المراد بالهون هنا : السكينة و الوقار .
و قد روى الإمام أحمد ( رقم 3034 ) من حديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان إذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل ، و رواه البزار ( 2391 ـ زوائده ) و
سنده صحيح ، و له شاهد عن سيار أبي الحكم مرسلا ، رواه ابن سعد ( 1 / 379 ) .
(1/132)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
مجلة فارس الإسلام للأحاديث الضعيفة والمكذوبة © 2012 | الى الأعلى